الأطفال ومسؤولياتنا
– “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا” (25:74).
وقد ذكر الله تعالى في ذرية أولي العزم من الأنبياء، حضرة إبراهيم عليه السلام وحضرة زكريا عليه السلام أنهما دعوا الله تعالى بالذرية، فتقبل الله تعالى دعاءهما
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ”. (37:100)
وَإِنِّى خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِىَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًۭا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّۭا (19:5)
من الواضح أن الرغبة في الأولاد رغبة طبيعية ومشروعة لدى البشر. وقد جعلهم الله سبحانه وتعالى نور العينين وبهجة القلب للبشر. ولا يمكن للمجتمع أن يتصور أي تصور جميل وجذاب بدون الأطفال. وكما حدّد الإسلام حقوق وواجبات مختلف طبقات المجتمع في الإسلام، فقد جاء التوجيه أيضاً فيما يتعلّق بمسؤوليات أولياء الأمور والمجتمع تجاه الأطفال. أول درس في الإسلام فيما يتعلق بالأطفال هو الفرح بميلاد إنسان جديد. أخبر الله تعالى حضرة إبراهيم (عليه السلام) بمولد حضرة إسحاق (عليه السلام) وحضرة زكريا (عليه السلام) بمولد حضرة يحيى (عليه السلام), وتم التعبير عن رد فعلهم من حيث السعادة. إن ولادة الأطفال هي مسألة فرح، ولا يوجد تمييز بين البنين والبنات. قبل الإسلام، كان الناس قبل الإسلام يشعرون بالأسف على ولادة البنات ويعتبرون ذلك عارًا على أنفسهم. وقد أدان القرآن الكريم هذا الموقف وانتقده. لأن الإنسان لا يدري أيهما أكثر نفعًا في أوقات الشدة: البنين أم البنات، ومن الذي يعين في أوقات الشدة. إن أهم حق من حقوق الأطفال الأساسية هو حقهم في الحياة. وقد راعى الإسلام مراعاة هذا الحق على النحو الذي بيناه. وبصفة عامة، فإن الوجود القانوني للطفل يُعترف به من وقت ولادته. ولكن من وجهة نظر الإسلام، من اليوم الذي يوضع فيه الجنين البشري في رحم أمه، يصبح في نظر الإسلام إنسانًا محترمًا وجديرًا بالحماية. لذلك فإن الإسلام لا يبيح الإجهاض. بعد ولادة الطفل، ليس الوالدان والأوصياء فقط، بل الأخوة الإنسانية كلها مسؤولة عن حمايته وبقائه. ولهذا الغرض، جعلت الشريعة الإسلامية هذا الحق الأخلاقي على الأم في إرضاع أطفالها. وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في عدة مناسبات. ولذلك، فإن من الحقائق المسلم بها في علم الطب أنه لا يوجد غذاء أنفع للأطفال من لبن الأم. وإلى أن يصبح الأطفال قادرين على كسب رزقهم بأنفسهم، فإن مسؤولية رعايتهم لا تقع على الوالدين فقط بل على الأقارب الآخرين القريبين إذا كان الوالدان غير قادرين على الوفاء بها. لم يكن من اللائق أن يكلف الوالدان الأطفال دون السن القانونية بالعمل والقيام بمسؤولياتهم من خلالهم. وقد أمر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) الأوصياء بالتعامل مع أمور الأطفال بالتضحية. فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال ” طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فِي الْفَرَائِضِ يُسْتَعْمَلُ الْفَرْضُ أَيْضًا.
وقد قرر الإمام البخاري (رحم الله اللہ) تحت عنوان في كتابه أن التعليم يجب أن يبدأ من سن الخامسة. كما أن التعليم الديني يدخل في التعليم لأنه بدون اكتساب علم الدين لا يمكن للإنسان أن يحسن دنياه ولا أن يؤمن آخرته. ولذلك، من الضروري الحصول على هذه المعرفة التي من خلالها يستطيع المرء أن يلبي احتياجاته الاقتصادية ويعيش حياة كريمة وسعيدة كمواطن. وقد اعتمد القرآن الكريم تفسيراً شاملاً لهذا الغرض، وهو أن تعليم الدين ضروري لإنقاذ النفس والأهل من النار، ولإنقاذ الأولاد من النار لا بد من التعليم الديني. كذلك لا بد من تعليمهم طريقة كسب الرزق حتى يتمكنوا من قضاء حوائجهم بطريقة مشروعة ولا يلجأوا إلى وسائل غير مشروعة. ومما يدل على أهمية تعليم الأولاد في الإسلام: أن تعليم الأولاد في الإسلام لا تجب نفقته إلا في حالة العجز، أما إذا كان الأولاد في حاجة إلى التعليم وكان الوالدان قادرين على تحمل نفقاتهم فإن نفقتهم واجبة أيضاً. وكذلك أفتى العلماء بجواز دفع الزكاة للطلاب، وأدخل العلماء نفقات الطلاب في باب الإنفاق في سبيل الله تعالى المذكورة في القرآن الكريم. وإلى جانب تعليم الأبناء، فإن تربيتهم ضرورية أيضًا. فالتربية هي التي تصنع الإنسان حقًا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نحل أحدٌ ولده شيئًا أفضل من حسن الخلق والأدب”. ولذلك فقد ورد عن النبي (ﷺ) الكثير من الوصايا والفضائل في تربية الأولاد وبناء شخصيتهم. فقد كان (ﷺ) يولي اهتماماً خاصاً بتربية الأبناء، وكان (ﷺ) كلما رأى أحداً منهم يقول قولاً خاطئاً يبيّنه له بحب ومودة.