مظاهر العذاب الإلهي في الأمم السابقة
لقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن بين هذه النعم العظيمة أن سخر له البحار. حيث يجوب الإنسان بقارب خشبي بسيط عبر مساحة المحيط الشاسعة. ويأتي جزء كبير من رزقه من المخلوقات البحرية. ويستخرج منها العديد من اللآلئ الثمينة وغيرها من أغراض الزينة والزخرفة. ومن ناحية أخرى، تجلب مناظر البحر المثيرة للروح والمناظر الخلابة الخلابة التي يجلبها البحر البهجة والفرح والراحة للطبيعة البشرية. وحتى اليوم، لا يزال البحر هو الطريق الرئيسي لنقل البضائع الثقيلة للغاية.
ومع ذلك، عندما يصبح الإنسان متمردًا، ونتيجةً لذلك تدخل الإرادة الإلهية حيز التنفيذ، فإن نفس البحر الذي كان مفيدًا له منذ لحظة واحدة فقط يبتلعه ويصبح سببًا في هلاكه. في مثل هذا العقاب الإلهي، لا شيء يمكن أن يمنحه الخلاص إلا رحمة الله.
وَإِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. (36:43)
عندما تمرد فرعون وادعى الألوهية ورفض الاعتراف بنبوة موسى وهارون عليهما السلام. كما رفض المطالبة بتحرير بني إسرائيل. وعندما انطلق في طلب موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل، منّ الله تعالى عليهم بعبور البحر الأحمر فتمكنوا من العبور بأمان. وفي الوقت نفسه، غرق فرعون وأتباعه في البحر. يذكّر القرآن بني إسرائيل بهذه النعمة العظيمة من الله تعالى فيقول
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَـٰكُمْ وَأَغْرَقْنَـٰنَا فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ. (2:50)
Table of Contents
Toggleأُمَّةُ نُوحٍ
يوضح وصف عقاب أمة نوح كما ورد في القرآن الكريم أن السماء أمطرتهم بشدة. بدا الأمر كما لو أن السماء بأكملها قد تمزقت، فأمطرت السماء ماءً غزيرًا بلا انقطاع. في الوقت نفسه، بدأ الماء يتدفق من الأرض محولاً الأرض بأكملها إلى ينبوع هائل. ارتفعت المياه إلى حد أنها وصلت إلى قمم الجبال الشاهقة. غرقت الأمة بأكملها وأُبيدت في هذا الطوفان. لم تستطع بيوتهم المشيدة أن تنقذهم ولا تلالهم العالية ولا جبالهم الشاهقة. ولم ينقذهم بأمر الله إلا نوح (عليه السلام) ومن آمن به بواسطة سفينة.
فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ. (54:11)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (54:12)
وَحَمَلْنَاـهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ۚ وَدُسُرٍ ۚ (54:13)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَنْ كَانَ كُفِرَ. (54:14)
عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ
من بين العناصر الأساسية التي تعتمد عليها حياة الإنسان، يعتبر الهواء من أهم العناصر الأساسية. فكل كائن حي يستنشقه في الجسم ويخرجه من خلال عملية التنفس. وإذا انقطع هذا الخيط من التنفس، أو إذا لم يكن هناك هواء مناسب للتنفس، يمكن أن يتحول الإنسان الحي الذي يتنفس إلى جثة هامدة في غضون لحظات. يعتبر الهواء أكثر أهمية من الطعام والماء لبقاء الإنسان على قيد الحياة.
تمامًا مثل البحر، سخر الله عز وجل الهواء أيضًا لصالح البشر. تسوق الرياح السحب من مكان إلى آخر، فتجلب الأمطار. وعندما يهب النسيم العليل في طقس مبهج، فإنه يملأ الإنسان إحساسًا بالبهجة والبهجة. وقبل اختراع المحركات، كانت الرحلات البحرية وحركة السفن تعتمد كليًا على الرياح قبل اختراع المحركات. وحتى يومنا هذا، تظل ملاءمة الرياح عاملاً لا يمكن إنكاره في متعة أو قسوة السفر البحري. وقد اكتشف العلم الحديث العديد من الفوائد النباتية لحركة الرياح. فالرياح الرطبة تغذي المحاصيل وتساعد على نموها وتطورها، بينما تساعد الرياح الدافئة والجافة على نضجها واستعدادها للحصاد.
ومع ذلك، فإن هذه الرياح نفسها، إذا كانت بمشيئة الله، يمكن أن تجلب الدمار للبشرية. فعندما رفض قوم عاد رسالة نبيهم هود (عليه السلام)، أرسل الله عليهم ريحًا عاتية عنيفة عاتية هبت عليهم هبوبًا مستمرًا لمدة سبع ليالٍ وثمانية أيام.
فَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (69: 6)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (69:7)
فَهَلْ تَرَىٰ لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (69:8)
عَذَابُ الْحَرِيقِ
الصوت أيضًا من نعم الله تعالى العظيمة التي أنعم بها على البشرية. فقبل أن يتعلم البشر فن القراءة والكتابة، كان الصوت هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأفكار والتواصل فيما بينهم. وعلى الرغم من اختراع الكتابة والتقدم الهائل في أدوات وأساليب التواصل، إلا أن الصوت لا يزال أكثر نفعًا وأوسع استخدامًا من الكتابة في نقل الرسائل وإقامة الصلات بين الناس.
فمن خلال الصوت لا يفرق البشر بين الحيوانات المختلفة فحسب، بل يستخدمونه أيضًا كوسيلة أساسية للتمييز بين الأفراد. فالصوت الشجي والعذب والآسر يجلب البهجة للمستمع ويمكن أن يثير المشاعر. وبسبب هذا التقدير للأصوات الجميلة، اخترع البشر العديد من الآلات الموسيقية وطوروا إيقاعات شعرية.
ومع ذلك، عندما يشاء الله عز وجل، يمكن أن يصبح هذا الصوت بالذات سببًا في هلاك البشرية. فعندما رفض قوم ثمود رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعقروا الناقة التي أخرجها الله تعالى من صخرة استجابة لطلبهم الآية، أهلك الله تعالى الأمة كلها بصوت مرعب ومخيف. لم تستطع بيوتهم القوية والمحصنة، التي نحتوها من الجبال، أن تحميهم من العقاب الإلهي.
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ. (15:82)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ. (15:83)
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. (15:84)
في العصر الحاضر، ونحن نشاهد بأعيننا الحوادث الناجمة عن الانفجارات والتلوث الضوضائي بأعيننا، لا يصعب علينا مطلقًا أن نفهم طبيعة هذا العقاب وأثره المدمر.
عقوبة الرجم المرعبة
عندما يأذن الله تعالى بهلاك أمة من الأمم، تبدأ الحجارة في الهطول من السماء. المكان الذي يحدث فيه هذا الرجم يتم إبادته بالكامل. وعندما تجاوزت خطايا قوم نبي الله لوط عليه السلام كل الحدود، وأعرضوا عن الإيمان بتعاليمه مع انغماسهم في فسادهم الأخلاقي، كان العقاب الإلهي حتميًا.
حتى عندما وصلت ملائكة الغضب الإلهي في صورة بشر إلى مسكن النبي لوط (عليه السلام)، حاول القوم ممارسة نفس الأعمال الفاحشة التي اعتادوا عليها.
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (11:77)
وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّـئـَٔاتِ، قَالَ يَـقُـومُ هَــؤُلاءِ هَــؤُلاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِىٓ ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌۭ رَّشِيدٌۭ. (11:78)
قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ”. (11:79)
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (11:80)
عذاب النار
لَمَّا كَذَّبَ أَهْلُ الْأَيْكَةِ شُعَيْبًا وَطَلَبُوا مِنْهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ أَنْ يُسْقِطَ عَلَيْهِمْ قِطْعَةً مِنَ السَّمَاءِ
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ” (26:187)
فأمطر الله عز وجل عليهم نارًا من السحاب.
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ. إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (26:189)
عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (26:189) عَذَابَ يَوْمِ الظُّلَّةِ
من بين النعم الكثيرة التي سخرها الله تعالى للبشرية في هذه الدنيا، تحتل الأرض مكانة عظيمة الأهمية. فقد جعلها الله تعالى صالحة لسكنى البشر، وشقَّها لتوفير أسباب الرزق. ولم يكتفِ الله تعالى بوضع الموارد على سطحها فحسب، بل خزن في أعماقها أيضًا العديد من الأشياء النافعة ليبحث عنها البشر ويستخدموها بحكمة.
وكما وضع الله العديد من العلامات على سطح الأرض ليتفكر فيها البشر، فقد جعل الأرض نفسها أيضًا وسيلة للتحذير والإنذار. عندما يتجاوز الناس حدود الطغيان والتمرد، يجعل الله الأرض تبتلعهم وتجعلهم عبرة لغيرهم.
ويقدم القرآن مثالاً على ذلك: كان قارون، وهو رجل من قوم موسى (عليه السلام)، وكان ذا مال كثير بفضل الله تعالى. ومع ذلك، فقد اغترّ بغناه، ونسب ثروته إلى ذكائه ورفض إعطاء الزكاة. ونتيجة لذلك، خسف الله به وبكنوزه الأرض.
فَخَسَفْنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٍۢ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ ٨١ (28:81)
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ. (67:16)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا. (17:68)

