هناك نوعان من المتداولين
في حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في نصيحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ معَ النبِّيِينَ والصِّدِّيقينَ والشهداءِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب (مِشْكَاةُ الْمَصَابِيحِ)
أما إذا كان التاجر لا يصح قصده في تجارته ولا يبالي بالحلال والحرام، ففي شأن هذا التاجر خلاف الحديث الأول، فقد أفتى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث آخر (إن التاجر يوم القيامة يحشر يوم القيامة حراً طلقاً). يعني أن التُّجَّارَ يومَ القيامةِ يُبْعَثُونَ وهم في عداد “الفُجَّار”. ومعنى “فُجَّار” أي: آثمين وعاصين وعاصين ومرتكبين للكبائر، إلا التجار الذين يتصفون بالتقوى والبر والصدق. فإذا لم تتوافر هذه الشروط الثلاثة، فإن هذا التاجر داخل في الفسقة والعصاة ومرتكب الكبائر. أما إذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة فهو داخل في الصالحين والصديقين والشهداء. وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ التُّجَّارِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ. وعلى كل حال، فالمرحلة الأولى هي صحة النية، والمرحلة الثانية هي التمييز بين الحلال والحرام في أعمالهم. فلا يكفي أن يكون المسلم مسلماً حتى حدود المسجد، بل لا بد أن يكون همه بعد خروجه من المسجد أن يكون عمله موافقاً لأوامر الله تعالى أو غير موافق. وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِ. فإذا كان غير المسلم يشتغل بالتجارة، فالمسلم يشتغل بالتجارة أيضاً. وإذا كان غير المسلم مشتغلاً بالمقامرة، فالمسلم مشتغل بالمقامرة أيضاً. فإن كان التاجر المسلم متصفاً بهذه الصفة، فهذا التاجر داخل في التحذير المذكور في الحديث الثاني. وإذا لم يتوفر فيه هذا الجانب، فإن هذا التاجر يستحق البشارة المذكورة في الحديث الأول.
وقد ورد عن قارون أربع وصايا
كما أرشد إليه
وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْـَٔاخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ (28:77)
هذه هي الإرشادات الأربعة المنصوص عليها. التعليمات الأولى. الإرشاد الأول: أن ما آتاكم الله من مال فابتغوا به وجه الله تعالى في الآخرة. التعليم الثاني. لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْفِدَ جَمِيعَ مَالِكَ وَلَا تُبْقِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَطْلُبُ الْفَلَاحَ فِي الْآخِرَةِ. فلا ينبغي إهمال ما خصك الله به من متاع الدنيا الذي خصك الله به. التوجيه الثالث كما أن الله تعالى قد أحسن إليكم وأغناكم، فكذلك ينبغي لكم أن تحسنوا إلى غيركم وتفضلوا عليه بالإحسان والإحسان إلى الآخرين. التعليم الرابع. لا تنشروا الفساد والاضطراب في الأرض بإساءة استخدام نعمة المال. لا تنخرط في أنشطة تروج للفساد في المجتمع. هذه التعليمات الأربعة تنطبق على التاجر، والصناعي، وأي مسلم أنعم الله عليه بأي شكل من أشكال الثروة في الدنيا. إنها تمثل نظامًا كاملاً للسلوك. لننظر الآن في شرح هذه التعليمات.
التعليمات الأولى:
يسلط التعليم الأول الضوء على الفرق بين غير المسلم والمسلم. فغير المسلم، الذي لا يؤمن بالله، يعتبر ثروته نتيجة جهده وقوته. ومن ناحية أخرى، يعتبر المسلم ثروته هبة من الله.
التعليمات الثانية:
قد يتصور المرء أن الإسلام قد نهى عن تجارتنا وأمرنا بالتركيز على الآخرة فقط، وإهمال الحاجات الدنيوية. ولمعالجة هذا المفهوم الخاطئ، يقدم القرآن الكريم على الفور التعليم الثاني الذي يقول (ولا تنس نصيبك من الدنيا) هذا صحيح. ليس غرضنا أن نترك الدنيا تمامًا ونجلس مكتوفي الأيدي. بل يجب أن لا ننسى نصيبنا في الدنيا وأن نسعى جاهدين إلى اتخاذ الوسائل المباحة والمشروعة لقضاء حاجاتنا الدنيوية.
التعليمة الثالثة
ثُمَّ فِي التَّعْلِيمِ الثَّالِثِ: التَّوْجِيهُ الثَّالِثُ (واحسن كما احسن الله إليك) والمعنى: كما أحسن الله إليكم بإعطائكم الغنى، فكذلك ينبغي لكم أن تحسنوا إلى غيركم. وفي هذه الآية إشارة إلى أنه مع التمييز بين الحلال والحرام، والامتناع عن اكتساب المال من طريق الحرام، لا ينبغي أن يظن المرء أنه المالك الوحيد للمال الذي حصل عليه من طريق حلال. بل يجب أن يستخدموها كوسيلة لإظهار اللطف والخير للآخرين. بالنسبة لأعمال الخير، فإن أبواب الزكاة والصدقات وأعمال الخير مفتوحة.
التعليمات الرابعة:
في البيان الرابع: جاء التعليم الرابع على النحو التالي: (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي لَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ أي: لا تفسدوا في الأرض. والمعنى: لا تؤذوا الآخرين ولا تعتدوا على حقوقهم في طلب المال. لا تستولوا على حقوق الآخرين بالباطل. إذا التزمتم بهذه التعليمات الأربعة، فإن ثروتكم ورأس مالكم وأنشطتكم المالية مباركة لكم. ستدخلون في قائمة الأنبياء والصديقين والشهداء. أما إذا لم تلتزموا بهذه التعليمات، فستذهب جميع أنشطتكم المالية هباءً منثورًا، وستواجهون عواقب الثواب والعقاب في الآخرة.